صحيفة الوطن الفلسطينية

مذبحة كفر قاسم .. القصة الكاملة

تاريخ النشر: 26 اكتوبر, 2021 02:32 مساءً
  • انشر الخبر عبر:

ذاكرة الوطن :
مذبحة كفر قاسم (بالعبرية: טבח כפר קאסם) هي مجزرة نفذها حرس الحدود الإسرائيلي في 29 أكتوبر 1956 ضد مواطنين فلسطينيين عُزَّل في قرية كفر قاسم راح ضحيتها 49 مدنيًا عربيًا: منهم ثلاثة وعشرين طفلًا دون الثامنة عشر،حاولت حكومة إسرائيل بقيادة بن غوريون التستر على المجزرة ومنع نشرها.
قُدِّم رجال شرطة الحدود الذين شاركوا في إطلاق النار إلى المحاكمة وأدينوا وحُكم عليهم بالسجن، لكن جميعهم حصلوا على عفو وأُطلق سراحهم في غضون عام.
وحُكم على قائد اللواء بدفع غرامة رمزية. وجدت المحكمة الإسرائيلية أن الأمر بقتل المدنيين كان "غير قانوني بشكل صارخ".صرح يسسخار شدمي - المسؤول الأعلى رتبة الذي تمت مقاضاته بتهمة المذبحة - قبل وقت قصير من وفاته، أنه يعتقد أن محاكمته نُظمت لحماية أعضاء النخبة السياسية والعسكرية الإسرائيلية، بمن فيهم رئيس الوزراء بن غوريون من تحمل المسؤولية عن المجزرة.في ديسمبر (كانون الأول) 2007، اعتذر رئيس إسرائيل شمعون بيريز رسميًا عن المذبحة.

التوقيت والسياق
وقعت المجزرة في اليوم الأول للعدوان الثلاثي البريطاني- الفرنسي- الإسرائيلي، على مصر عام 1956 في أعقاب تأميم قناة السويس من قبل مصر بقيادة جمال عبد الناصر، وخلال أيام الحكم العسكري الذي فرضته إسرائيل على المواطنين العرب، حيث أعلنت قيادة الجيش الإسرائيلي المرابطة على الحدود الإسرائيلية الأردنية في 29 أكتوبر 1956 عن حظر التجول في القرى العربية داخل إسرائيل والمتاخمة للحدود وهي: كفر قاسم، الطيرة، كفر برا، جلجولية، الطيبة، قلنسوة، بير السكة وإبثان، وذلك تحسبًا لوقوع معركة على الحدود الاردنية، وفي أدلة كشفت لاحقاً إن مجزرة كفر قاسم نفذت ضمن خطة تهدف إلى ترحيل فلسطينيي منطقة "المثلث الحدودي" (بين فلسطين 1948 والضفة الغربية التي كانت آنذاك جزءًا من الأردن) التي تقع فيها بلدة كفر قاسم، بواسطة ترهيب سكانها، خطة حملت اسم خطة "خلد".
وصف عام
وقعت المجزرة مساء يوم 29 أكتوبر 1956، بعد أن قررت قيادة الجيش الإسرائيلي فرض حظر التجول على سكان كفر قاسم وقرى عربيّة أخرى متاخمة للحدود الاردنية آنذاك، كخطوات تحضيرية لشن حرب على مصر، نقل قائد المنطقة الوسطى تسفي تسور الأوامر للضباط والألوية الميدانيين، وأوكلت مهمة تطبيق حظر التجول على وحدة حرس الحدود بقيادة الرائد شموئيل ملينكي، وبقيادة مباشرة من قائد كتيبة الجيش المرابطة على الحدود يسسخار شدمي، أعطى شدمي الأوامر أن يكون منع التجول من الساعة الخامسة مساءً حتى السادسة صباحًا، وحسب التوثيق التاريخي للمجزرة، أوعز شدمي لمالينكي بتنفيذ حظر التجول بيد من حديد، وبلا اعتقالات إنما باستعمال القوة ضد المخالفين، وحين سُأل عن مصير من لم يعلم بالحظر أجاب شدمي: "الله يرحمه".تم إبلاغ مختار القرية قبل نصف ساعة فقط من بدأ منع التجول، والذي حذر أن مئات من أهل القرية يعملون خارجها ولم يعودوا بعد ولن تكفي نصف ساعة لإبلاغهم، إلا أن مندوب الجيش أجابه أنه سيتم الاهتمام بهم. بعد نصف ساعة وفي الخامسة مساءً بدأت المذبحة حيث تواجدت أربع فرق لحرس الحدود على مداخل القرية، وأخذت بإطلاق النار وإعدام كل من تواجد في الخارجً، وكل من كان عائدًا إلى القرية.
وخلال ساعة واحدة سقط في طرف القرية الغربي 43 شهيدًا، وفي الطرف الشمالي سقط 3 شهداء، وفي داخل القرية سقط شهيدان، وكان من بين الشهداء في كفر قاسم 9 نساء، و4 طفلات و17 طفلاً وفتى دون الثامنة عشرة، منهم 5 أطفال دون العاشرة. كان إطلاق النار داخل القرية كثيفًا وأصاب تقريبًا كل بيت، وجرح 18 أخرين.
حاولت الحكومة إخفاء الموضوع ولكن الأنباء عن المجزرة بدأت تتسرب فأصدرت الحكومة الإسرائيلية بياناً يفيد بإقامة لجنة تحقيق، توصلت اللجنة إلى قرار بتحويل قائد وحدة حرس الحدود وعدد من مرؤوسيه إلى المحاكمة العسكرية، استطاع الناشط الإسرائيلي لطيف دوري، وعضوا الكنيست توفيق طوبي ومئير فلنر اختراق الحصار المفروض على المنطقة ونقلوا الأخبار إلى العالم.
استمرت محاكمة منفذي المجزرة حوالي عامين والتي اعتبرت صورية وشكلية،
في 16/10/1958 أطلق سراح آخرهم في مطلع عام 1960 أما العقيد يسسخار شدمي، صاحب الأمر الأول في المذبحة فقد قدم للمحاكمة وفي مطلع عام 1959 صدر الحكم بحقه وكانت عقوبته التوبيخ ودفع غرامة مقدارها قرش إسرائيلي واحد.
وصل عدد الضحايا إلى (49) شهيدًا، 2.5% تقريبًا من عدد سكان كفر قاسم الذي لم يتجاوز الألفي نسمة آنذاك، ولم تبق عائلة في كفر قاسم إلا وفقدت شهيداً.
وفي البلدات المجاورة قتل طفل من الطيبة عمره 14 سنة. وفي الطيرة قتل رجل في ال 60 من عمرة، وفي باقة الغربية فقد أحد الشبان وعمرة 14 عامًا.
المسؤولون الإسرائيليون وقت حدوث المجزرة
دافيد بن غوريون رئيس الحكومة الإسرائيلية ووزير الدفاع.
موشية ديان، قائد أركان جيش الدفاع الإسرائيلي.
تسفي تسور، قائد المنطقة الوسطى والمسؤول العسكري عن منطقة المثلث التي امتدت من أم الفحم شمالًا وإلى كفر قاسم جنوبًا.
المقدم يسسخار شدمي، قائد لواء الجيش في المنطقة الحدودية، ومن أعطى الأوامر بالقتل.
شموئيل مالينكي قائد فرقة حرس الحدود التي ضمت إلى لواء الجيش بقيادة يسسخار شدمي.
غبريئيل دهان قائد السرية المسؤولة عن كفر قاسم.
شالوم عوفر قائد الزمرة التي رابطت على المدخل الغربي للقرية حيث سقطت الغالبية الساحقة من الشهداء.
تسلسل أحداث المجزرة
صباح الاثنين 29 أكتوبر 1956، أبلغ الجنرال تسفي تسور قائد المنطقة الوسطى المقدم يسسخار شدمي قائد كتيبة الجيش المرابطة على الحدود، وقادة الألوية في تلك المنطقة، عن السياسة التي قررها رئيس الوزراء ووزير الدفاع دافيد بن غوريون للتعامل مع العرب في منطقة الحكم العسكري، وهي ضمان الهدوء التام على هذه الجبهة لصالح العمليات في سيناء.
على إثر هذه الأوامر قام المقدم شدمي بزيادة ساعات منع التجول الاعتيادي الذي كان مفروضًا على القرى العربية ومحيطها في ذلك الوقت، وقرر بدأ حظر التجول ابتداءً من الساعة الخامسة مساءًا بدل التاسعة (الأمر الذي اعتبر تجاوز لصلاحياته)، حيث كان الحظر اليومي المعتاد في هذه الأيام من الحكم العسكري يبدأ في التاسعة على الطرق المحيطة وفي العاشرة داخل القرية.
أوكلت مهمة تطبيق حظر التجول على وحدة حرس الحدود بقيادة الرائد شموئيل ملينكي، على أن يتلقى هذا الأوامر مباشرة من قائد كتيبة الجيش المرابطة على الحدود يسسخار شدمي، أعطى شدمي الأوامر أن يكون منع التجول من الساعة الخامسة مساءً حتى السادسة صباحًا، وأشار شدمي لمالينكي عدة ساعات قبل حصول المجزرة، أن منع التجول في هذه المرة سيتميز بالشدة واللجوء إلى القوة في حال ظهور من يخالف الأوامر من العرب، ويضيف شدمي أنه لن تكون هناك اعتقالات إنما قتل بالرصاص حالاً للمخالفين. وأضاف شدمي: قتيل واحد أو عدد من القتلى أفضل من التورط باعتقالات، وحين سأله مالينكي عن مصير العائدين إلى قراهم بعد ساعات منع التجول، أجابه "الله يرحمه". قال ذلك باللغة العربية وأضاف: "بدون عواطف".
وقد أنكر شدمي لاحقًا هذه الأقوال التي أوردها مالينكي في شهادته.
عقد مالينكي اجتماعًا مع ضباط فرقته (14 ضابطًا برُتب مختلفة) وبينهم الملازم غابرئيل دهان (قائد الفرقة المسؤولة عن كفر قاسم) وأبلغهم بأمر حظر التجول وأنه يجب عدم أخذ معتقلين، فكل من يخالف يطلق عليه الرصاص ويقتل، وإذا وقع قتلى فإن هذا سيساعد على فرض منع التجول في الليالي القادمة، وأضاف أن: "كل من يرى خارج البيت يطلق عليه الرصاص من أجل قتله" (ورد في نص قرار حكم مالينكي وجنوده ص102).
وسأل الضابط آريه منشس: ماذا سيكون مصير النساء والأطفال؟ فأجابه مالينكي: "مصيرهم مثل مصير الآخرين: بدون مشاعر". وعاد منشس سائلا عن مصير العمال العائدين إلى قراهم ليجيبه مالينكي "الله يرحمه"! فهكذا قال قائد اللواء، أي شدمي.
وجاء في محضر الجلسة المذكورة: (ابتداءً من هذا اليوم في الساعة 17:00 يفرض منع التجول على قرى الأقليات حتى الساعة السادسة صباحًا. جميع مخالفي منع التجول يطلق الرصاص عليهم من أجل قتلهم).
وصلت سرية الملازم غابريئل دهان إلى قرية كفر قاسم، ووزع هذا مجموعته إلى أربع زمر، رابطت إحداها عند المدخل الغربي للبلد بقيادة شالوم عوفر، في الساعة 16:30 من اليوم نفسه استدعى العريف يهودا زشنسكي مختار كفر قاسم وديع أحمد صرصور وأبلغه بقرار منع التجول وطلب منه إبلاغ الأهالي، قال المختار إن 400 شخصًا يعملون خارج القرية ولم يعودوا بعد ولن تكفي نصف ساعة لإبلاغهم، فوعد العريف أنه "سيهتم بهم".
مع اقتراب الساعة الخامسة كانت وحدات حرس الحدود منتشرة على مداخل القرية وفي الساعة الخامسة تلقوا كلمة السر لبدأ العملية وهي "أخضر"، بدأت المجزرة الساعة الخامسة مساءً 17:00، عند طرف القرية الغربي، حيث رابطت فرقة شالوم عوفر على المدخل الرئيسي، وبدأ العمال والفلاحون العرب بالعودة إلى القرية بعد الانتهاء من عملهم، خلال ساعة واحدة أوقف جنود حرس الحدود كل عائد للقرية، وتم إيقاف كل عائد يسير على قدميه، وكل راكب دراجة، وكل عربة وسيارة. تأكدوا من هويتهم بأنهم من سكان كفر قاسم وأمروهم جماعة بعد الأخرى بالاصطفاف على حافة الطريق وأطلقوا النار عليهم تنفيذًا لأمر ضابطهم شالوم عوفر الذي قال: "احصدوهم". وبعد كل عملية "حصاد" كانت فرقة حرس الحدود تبتعد عن الطريق غربًا عن الجثث حتى لا تثار مخاوف القادمين الجدد قبل وصولهم إلى موقع الفرقة، تمت عملية القتل على تسع موجات، وفي موقع أخر لاحق الجنود عمال عائدين وأطلقوا النار عليهم من الخلف.
قُتل 43 شهيدًا عند مدخل القرية الغربي، ثلاثة سقطوا في الطرف الشمالي للقرية ووسط القرية سقط شهيدان.
الدفن وخطف الجثث
مباشرة بعد المجزرة قام أفراد شرطة حرس الحدود بتكديس جثث الشهداء ال (49) في شاحنة، وتم إلقائهم في منطقة قريبة من مركز الشرطة في بلدة رأس العين (روش هعاين) القريبة، تم دفن الجثث هناك بشكل موقت، وبعد يومين تقرر دفنهم في مقبرة القرية، حينها استدعى الجنود أفراد من القرية للتعرف على الجثث، تم تشخيص 47 جثة وبقيت جثتان لامرأتين لم ينجح أحدٌ في التعرف عليها بسبب كثرة التشويه.
تم دفن الشهداء في كفر قاسم بعد أن استدعت قوات الحكم العسكري عنوة عمال من قرية جلجولية المجاورة، وأجبرتهم على حفر القبور.
وتمت عملية الدفن تحت حالة من التهديد والخوف، ودون الاهتمام بحرمة الميت والشريعة الاسلامية.
نهاية حظر التجول
أُعلن عن انتهاء أمر منع التجول في 31 أكتوبر 1956 الساعة العاشرة صباحاً، ومباشرة خرج أهالي كفر قاسم عن بكرة أبيهم إلى الشارع الرئيسي في القرية، متوجهين إلى مدخل القرية الغربي وليكتشفوا حجم المجزرة والقتل ولا زالت آثار الدماء تصبغ المكان، وأخذوا يروون ما شاهدوا وما لحق بهم، وسرعان ما سار السكان في مسيرة غاضبة إلى بيت المختار مطالبين بعدم السكوت على مجزرة القرية الدامية.، خلال وقت قصير تبين كذلك أن عملية دفن الضحايا كانت خاطئة وغير مقبولة، مما حدا أهالي القرية لاحقًا بالخروج الجماعي متحدين الأوامر وترتيب دفن يليق بالشهداء، وقد وصلت قوات كبيرة من حرس الحدود إلى القرية في ساعة الجنازة المجددة، وأمرت الأهالي بالالتزام بالهدوء.

» اقرأ ايضاً

الوطن الأن
شهداء الوطن
أسرى الوطن
ذاكرة الوطن
أكاديمية الوطن
مجلة الوطن